المشاريع الكبرى: التقدير الأولي

المشاريع الكبرى: التقدير الأولي تُعدّ مرحلة المفهوم أو البدء في المشاريع العامة الكبرى، والتي تُعرف أيضًا بالمرحلة الأولية، الفترة المحوري..

المشاريع الكبرى: التقدير الأولي

 

المشاريع الكبرى: التقدير الأولي المقدمة: تُعدّ المشاريع العامة الكبرى، كالبنية التحتية والتنموية، محركات أساسية للتقدم والازدهار. ومع ذلك، غالبًا ما تواجه هذه المشاريع تحديات جمة تبدأ من مراحلها الأولية، لاسيما في تقدير التكاليف. تُعرف هذه المرحلة الحاسمة باسم المرحلة الأولية أو مرحلة المفهوم، وهي الفترة التي تتشكل فيها الفكرة الأولية للمشروع وتُتخذ القرارات المصيرية المتعلقة بجدواه وتمويله.

 

جوهر التقدير الأولي

تُعدّ مرحلة المفهوم أو البدء في المشاريع العامة الكبرى، والتي تُعرف أيضًا بالمرحلة الأولية، الفترة المحورية التي تتشكل فيها معالم المشروع لأول مرة. خلال هذه المرحلة، تُجرى دراسات الجدوى وتُتخذ القرارات الأولية بشأن تمويل المشروع. على الرغم من أهميتها البالغة، التي تتمثل في تحديد المسار المستقبلي للمشروع بأكمله، إلا أن هذه المرحلة غالبًا ما تعج بالغموض ونقص المعلومات حول جوانب حاسمة مثل النطاق والبيانات التاريخية. لذا، تُصبح التقديرات الواقعية للتكاليف في هذه المرحلة ضرورية لتجنب الوقوع في فخ اختيار مشاريع غير مجدية. ومع ذلك، تبقى هذه المرحلة غامضة نسبيًا في أدبيات إدارة المشاريع، ولا يوجد تعريف موحد لها، مما يعكس طبيعة المشروع نفسها. تُركز هذه المراجعة بشكل خاص على التقدير المفاهيمي الأولي للتكلفة.

 

تحديات التقديرات غير الواقعية

تُظهر الأبحاث المتعمقة في تقدير التكاليف للمشاريع العامة الكبرى نمطًا مقلقًا من التقديرات المتفائلة بشكل مفرط. تُشير العديد من الدراسات، بما في ذلك أعمال Flyvbjerg وآخرين (2002) وLove وآخرين (2022) وMorris & Hough (1987)، إلى أن تقديرات التكاليف والميزانيات اللاحقة غالبًا ما تكون منخفضة جدًا. الأمثلة على هذا التجاوز في التكاليف وفيرة؛ فقد كشف Weld & Odeh (2017) عن زيادة متوسطة في التكاليف بلغت 53% من الوصف المفاهيمي الأولي للمشروع إلى قرار الاستثمار الرسمي لمشاريع الطرق، ووصلت بعض الحالات إلى زيادات تجاوزت 500% بين المرحلة الأولية وبدء تنفيذ المشروع.

يُشير Eliasson (2023) إلى أن هذه التقديرات غير الواقعية في المراحل المبكرة تُسبب اختيار مشاريع خاطئة أو الاستمرار في مقترحات غير فعالة، مما يؤدي إلى سوء تخصيص الأموال العامة ويُقلل من الفائدة المجتمعية. هذا النقص المنهجي يُشوه عملية اختيار المشروع وتصميمه.

 

إدارة عدم اليقين في التكاليف

تُعدّ المرحلة الأولية مرتعًا لعدم اليقين، نابعًا من ندرة المعلومات والنطاق غير المحدد. يُمكن تصنيف عدم اليقين إلى نوعين رئيسيين:

  • عدم اليقين المعرفي (قابل للحل): وهو النوع الذي يُمكن تقليله مع مرور الوقت من خلال جمع المزيد من المعلومات.
  • عدم اليقين الوجودي (جذري): والذي يرتبط بأحداث غير متوقعة لا يُمكن التنبؤ بها، وتُعرف أحيانًا بـ "البجعات السوداء" (Flyvbjerg & Budzier, 2011). فقد أشارا إلى أن 1 من كل 6 مشاريع درساها كانت "بجعات سوداء" بمتوسط تجاوز في التكاليف بنسبة 200%.

تُعدّ إدارة عدم اليقين أمرًا حيويًا لإدارة المشاريع بفعالية، وهي تُغطي أبعادًا متعددة تشمل الجوانب المالية، والتقنية، والتنظيمية، والبيئية، وأصحاب المصلحة، والجداول الزمنية.

 

ممارسات لتقديرات واقعية

لتحقيق تقديرات تكاليف واقعية، تُعدّ عملية التقدير المنظمة والمدارة بفعالية بالغة الأهمية. تُشير الدراسات إلى أن أهمية تنظيم العملية وإدارتها لا تقل عن أهمية تطبيق نماذج أو طرق محددة. إليك بعض الممارسات الأساسية:

  • البيانات التاريخية: تُعدّ البيانات التاريخية ركيزة أساسية لتحسين تقديرات التكاليف، ولكنها تتطلب تحسينًا في عمليات جمعها وتخزينها وإتاحة الوصول إليها.
  • الخبرة المتخصصة: يُشدد Thorp & Klakegg (2016) على ضرورة وجود خبراء مؤهلين في فريق التقدير، واعتماد نهج منظم.
  • النماذج الشاملة: يُمكن أن تُسفر النماذج التصاعدية (Top-down) وممارسات التقدير المفاهيمي القائمة على آراء الخبراء عن نتائج سريعة وموثوقة في المراحل المبكرة.
  • تحليل عدم اليقين: تُعدّ تحليلات عدم اليقين جزءًا حيويًا من عملية التقدير، ويجب أن تُقدم توجيهات للعمليات اللاحقة. ومع ذلك، هناك مجال للتحسين في كيفية إجراء هذه التحليلات وتطبيق نتائجها.
  • التوثيق والتواصل: يُعدّ التوثيق الشامل للتقدير طوال العملية، جنبًا إلى جنب مع التواصل الواضح بشأن عدم اليقين مع صانعي القرار، من المكونات الحاسمة لعملية تقدير واقعية.

 

المنهجيات البحثية في تقدير التكاليف

تتنوع المنهجيات المستخدمة في أبحاث تقدير التكاليف بشكل كبير. تُفضل بعض الدراسات، كما هو الحال في المصادر المذكورة، النهج النوعي الذي يشمل المقابلات شبه المنظمة وورش العمل لجمع البيانات وفهم تجارب مهندسي التكاليف. تُستكمل هذه الأساليب بمراجعات أدبية منهجية تتضمن دراسات تجريبية من مشاريع البناء والبنية التحتية.

في المقابل، تُركز دراسات أخرى على التقييم الكمي لنماذج التقدير المختلفة من خلال الاختبارات الرسمية، مثل نمذجة معلومات البناء (BIM)، والتنبؤ بالطبقة المرجعية (RCF)، ونهج الخطوات المتعددة (MSA). تُشدد هذه الدراسات غالبًا على أهمية جودة البيانات المدخلة وتحديد عوامل الخطر وفعالية عملية التقدير من حيث التكلفة. الهدف العام لهذه المنهجيات هو تعزيز كفاءة ودقة ممارسات تقدير التكاليف في المرحلة الأولية من المشاريع الكبرى.

 

توافق الآراء والاختلافات والفجوات البحثية

نقاط الاتفاق:

  • أهمية التقديرات الواقعية: هناك إجماع قوي على أن التقديرات الواقعية للتكاليف في المرحلة الأولية ضرورية لضمان اختيار المشاريع وتخصيص الموارد بفعالية.
  • تأثير عدم اليقين: يُعترف على نطاق واسع بتأثير عدم اليقين على تقدير التكاليف، وأن إدارته ضرورية للإدارة الفعالة للمشاريع.
  • قيمة البيانات والخبرة: يتم الاتفاق على أهمية البيانات التاريخية ومدخلات الخبراء في تحسين تقديرات التكاليف، حيث تُوفر البيانات التاريخية نقطة انطلاق وأساسًا لمقارنة البدائل.
  • أهمية العملية المنظمة: تُعتبر الحاجة إلى عملية تقدير منظمة ومخطط لها جيدًا، تضم الخبراء المناسبين، مقبولة بشكل عام.

نقاط الخلاف:

  • أهمية النموذج مقابل العملية: بينما تُركز العديد من الدراسات على تقييم طرق ونماذج محددة (مثل BIM أو RCF أو MSA)، هناك وجهة نظر مُعارضة تُفيد بأن تنظيم وإدارة العملية الشاملة قد تكون أكثر أهمية من تطبيق أي نموذج أو طريقة محددة.
  • إدارة عدم اليقين: يثير مدى إمكانية إدارة عدم اليقين في المرحلة الأولية، خاصةً عدم اليقين الجذري وأحداث "البجعة السوداء"، جدلاً مستمرًا.
  • مسببات عدم الدقة: هناك نقاش حول ما إذا كانت العوامل الخارجية (مثل التأثير السياسي وضغط أصحاب المصلحة) أو الممارسات الداخلية (مثل ضعف التوثيق وعدم كفاية الخبرة) تُعدّ المساهمات الأكثر أهمية في عدم دقة التقدير.

الفجوات البحثية:

  • نقص التركيز على المرحلة الأولية: هناك دراسات محدودة تُركز على الممارسات لضمان تقديرات تكاليف واقعية في المرحلة الأولية تحديدًا، مع تركيز كبير على أداء التكلفة في المراحل اللاحقة.
  • تحسين ممارسات مهندسي التكاليف: هناك حاجة لمزيد من الأبحاث حول كيفية تحسين الممارسات الحالية لمهندسي التكاليف لزيادة دقة تقديراتهم.
  • إدارة عملية التقدير: تُعاني الأبحاث من ندرة التركيز على تنظيم وإدارة عملية تقدير التكاليف نفسها، بدلاً من التركيز على الطرق أو النماذج.
  • تقييم النتائج الفعلية: هناك نقص في التركيز على تقييم نتائج تقدير التكاليف، أي ما إذا كانت التقديرات تتطابق بالفعل مع التكاليف النهائية للمشروع.
  • العامل البشري: هناك حاجة لمزيد من البحث حول العامل البشري وتأثير أساليب القيادة على عملية تقدير التكاليف.
  • استخدام البيانات التاريخية: هناك نقص في الأبحاث حول كيفية تحسين استخدام مجموعات البيانات التاريخية، مع اقتراحات بضرورة تحسين مشاركة هذه المجموعات وتخزينها وتنظيمها.

 

تطور الفهم في تقدير التكاليف

شهد مجال تقدير التكاليف في المشاريع العامة الكبرى تطورًا ملحوظًا بمرور الوقت، مع تحولات رئيسية في التركيز والفهم:

  • من النموذج إلى العملية: كان هناك تحول من التركيز الحصري على نماذج أو طرق محددة إلى التأكيد على أهمية عملية التقدير الشاملة، مع التركيز على تنظيم وإدارة فريق التقدير.
  • إدارة عدم اليقين: هناك اعتراف متزايد بالدور الحاسم لإدارة عدم اليقين في تقدير التكاليف، مع إدراك أن المرحلة الأولية تتميز بكل من عدم اليقين القابل للحل والجذري.
  • المدخلات المتعددة التخصصات: هناك وعي أكبر بالحاجة إلى المدخلات متعددة التخصصات ومنظور شامل في عملية التقدير، مع الاعتراف بأن أصحاب المصلحة غالبًا ما ينظرون إلى المشاريع من وجهات نظر مختلفة.
  • التوثيق والشفافية: هناك الآن مزيد من التركيز على أهمية التوثيق طوال عملية تقدير التكاليف بأكملها، والحاجة إلى تحسين الوصول إلى البيانات التاريخية وإيصال أوجه عدم اليقين في التقديرات إلى صانعي القرار.

 

رؤى حاسمة وتوجيهات مستقبلية

تُسلط هذه المجموعة من الأعمال مجتمعة الضوء على أن تقدير التكاليف ليس مجرد نشاط تقني معزول، بل هو يتأثر بتفاعل معقد بين العوامل الداخلية والخارجية. يُؤكد البحث على الحاجة إلى تحقيق التوازن بين الجوانب التقنية لتقدير التكاليف (مثل استخدام طرق ونماذج محددة) والعوامل التنظيمية، والتواصلية، والبشرية. تُشير الأدبيات المتاحة إلى تحول من التركيز على الجوانب التقنية لتقدير التكاليف نحو أهمية إدارة عدم اليقين طوال العملية بأكملها. على الرغم من تطوير تقنيات وأساليب مختلفة، إلا أن تجاوز التكاليف لا يزال شائعًا. يُشير هذا إلى أن هناك حاجة إلى نظرة أكثر شمولية للمشكلة تأخذ في الاعتبار العملية بأكملها، وليس فقط النماذج المحددة المستخدمة.

إن النقص في الأبحاث حول تقييم نتائج تقدير التكاليف يُشكل فجوة كبيرة، مما يُشير إلى أن الدراسات المستقبلية يجب أن تُقيّم كيف تُؤثر ممارسات التقدير المختلفة على التكاليف النهائية للمشاريع. علاوة على ذلك، هناك حاجة إلى الاعتراف بالفرق بين عدم اليقين الجذري والقابل للحل في المرحلة الأولية، حيث أن هذا التمييز يُؤثر على الممارسات التي يُمكن استخدامها لتحسين دقة التقدير. إن التركيز على ما لا نعرفه وعلى عدم اليقين، القابل للحل والجذري على حد سواء، أمر بالغ الأحديد لتحليل أفضل، وتقديرات تكاليف واقعية، وأساس معقول لاتخاذ القرارات وإدارة المشاريع. تُؤكد الأدبيات أيضًا على أن تقدير المرحلة الأولية ليس المقصود به أن يكون ميزانية نهائية، بل يهدف إلى تزويد صانعي القرار بمعلومات كافية لتجنب المشاريع غير المناسبة.

 

الخاتمة

في الختام، يبرز هذا المقال أن المشاريع الكبرى: التقدير الأولي، ليس مجرد عملية حسابية، بل هو فن يتطلب فهمًا عميقًا للتفاعل بين العوامل الفنية، التنظيمية، والبشرية. على الرغم من التطورات في المنهجيات والأدوات، لا يزال تجاوز التكاليف يمثل تحديًا مستمرًا، مما يؤكد على الحاجة الماسة إلى نظرة شاملة تتجاوز مجرد النماذج وتُركز على العملية بأكملها. لقد أوضحت الدراسة أن إدارة عدم اليقين، بفصلها بين ما يمكن حله وما هو جذري، تُعدّ حجر الزاوية في بناء تقديرات واقعية. كما أن هناك حاجة ملحة لسد الفجوات البحثية، خاصةً فيما يتعلق بتقييم النتائج الفعلية للتقديرات وتحسين ممارسات مهندسي التكاليف، مع التأكيد على دور العامل البشري وأساليب القيادة.

 

المشاريع الكبرى: التقدير الأولي