منذ 5 أشهر
المحاسبة المستدامة

المحاسبة المستدامة تعرف الاستدامة بأنها القدرة على تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة.

ملف 10_page-0007.jpg 887.83 KB

المحاسبة المستدامة

المحاسبة المستدامة مقدمة: في عالم الأعمال المتسارع، برزت المحاسبة المستدامة كأداة قوية لتعزيز الأداء البيئي والاجتماعي للشركات، بينما أصبحت المعايير البيئية والاجتماعية والحكومية (ESG) بوصلة للمستثمرين في اتخاذ قراراتهم الاستثمارية. ولكن هل لا يزال هذان المفهومان يحظيان بنفس القدر من الأهمية والتأثير في المشهد الاقتصادي الحالي؟

في هذا المقال، سنغوص في أعماق مفهومي المحاسبة المستدامة ومعايير ESG، ونستكشف علاقتهما المتشابكة. سنلقي الضوء على الفوائد التي تجنيها الشركات من تبني هذه الممارسات، والتحديات التي تواجهها في تطبيقها. وسنسلط الضوء أيضًا على الأسباب التي أدت إلى تراجع الاهتمام بهما في الآونة الأخيرة، وهل هذا التراجع مؤقت أم يعكس تحولًا جوهريًا في عالم الأعمال؟

 

ما هي الاستدامة؟ مفهوم متعدد الأبعاد يتجاوز البيئة

على الرغم من عدم وجود تعريف واحد شامل للاستدامة، إلا أن التعريف الأكثر شيوعًا هو الذي قدمه تقرير الأمم المتحدة عام 1987، والذي يعرف الاستدامة بأنها القدرة على تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة.

 

يمتد مفهوم الاستدامة ليشمل ثلاثة أبعاد رئيسية:

  • البعد البيئي: يركز على الحفاظ على الموارد الطبيعية والحد من التأثيرات السلبية على البيئة.
  • البعد الاجتماعي: يهتم بتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وتوفير فرص متكافئة للجميع.
  • البعد الاقتصادي: يهدف إلى تحقيق النمو الاقتصادي المستدام وضمان توزيع عادل للثروة.

 

المحاسبة المستدامة: قياس الأثر البيئي والاجتماعي

تعد المحاسبة المستدامة فرعًا من فروع المحاسبة يركز على جمع وتحليل المعلومات المتعلقة بالأداء البيئي والاجتماعي للشركات. وتهدف إلى توفير بيانات موثوقة تساعد الشركات في تقييم أثرها على البيئة والمجتمع، واتخاذ قرارات مستدامة تساهم في تحقيق التنمية المستدامة.

 

التحدي الأكبر: غياب معيار موحد

تواجه المحاسبة المستدامة تحديًا رئيسيًا يتمثل في عدم وجود معيار موحد لتحديد وتقييم المخاطر البيئية والاجتماعية. يختلف تعريف هذه المخاطر وأهميتها من شركة إلى أخرى، مما يجعل من الصعب مقارنة أداء الشركات في مجال الاستدامة.

على سبيل المثال، قد تركز شركة ما على معالجة التفاوت في الأجور كقضية اجتماعية رئيسية، بينما تركز شركة أخرى على الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة. هذا الاختلاف في الأولويات يجعل من الضروري تطوير معايير موحدة للمحاسبة المستدامة لضمان الشفافية والمقارنة العادلة بين الشركات.

 

المعايير البيئية والاجتماعية والحكومية (ESG): بوصلة المستثمر المسؤول

تشير المعايير البيئية والاجتماعية والحكومية (ESG) إلى مجموعة من العوامل التي يستخدمها المستثمرون لتقييم أداء الشركات والمؤسسات في مجالات الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية. وتكتسب هذه المعايير أهمية متزايدة في عالم الاستثمار، حيث يدرك المستثمرون أن الشركات التي تلتزم بها تحقق أداءً ماليًا أفضل على المدى الطويل، وتكون أكثر استدامة وقدرة على مواجهة التحديات.

 

أهمية معايير ESG في الاستثمار:

  • توجيه الاستثمارات المستدامة: تساعد معايير ESG المستثمرين في تحديد الشركات التي تتبنى ممارسات مستدامة وتساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
  • تجنب الاستثمارات الخطرة: تساهم هذه المعايير في تجنب الاستثمار في الشركات التي تنخرط في أنشطة ضارة بالبيئة أو المجتمع، أو التي لا تمتثل للقوانين واللوائح ذات الصلة.
  • تحسين أداء الشركات: تشجع معايير ESG الشركات على تبني ممارسات مستدامة وتحسين أدائها في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة، مما يعزز سمعتها وقيمتها السوقية.
  • الاستثمار المسؤول: تمكن معايير ESG المستثمرين من اتخاذ قرارات استثمارية مسؤولة تعكس قيمهم ومبادئهم، وتساهم في تحقيق تأثير إيجابي على المجتمع والبيئة.

 

تأثير المستثمرين على تحسين معايير ESG:

يلعب المستثمرون دورًا حاسمًا في دفع الشركات نحو تبني ممارسات مستدامة والالتزام بمعايير ESG. من خلال اختيار الاستثمار في الشركات التي تلتزم بهذه المعايير، وتجنب تلك التي لا تلتزم بها، يمكن للمستثمرين ممارسة ضغوط فعالة على الشركات لتحسين أدائها في هذه المجالات.

 

قياس الاستدامة: تحديات وحلول في عالم متغير

يعتبر قياس الاستدامة تحديًا كبيرًا، حيث يتطلب تقييمًا دقيقًا لتأثير الشركات على البيئة والمجتمع. تعتمد عملية القياس على المعلومات التي تقدمها الشركات، والتي قد تكون عرضة للتحريف أو التلاعب. لذا، يصبح التدقيق المستقل لهذه المعلومات أمرًا ضروريًا لضمان دقتها وشفافيتها.

 

التحديات التي تواجه قياس الاستدامة:

  • تقييمات خاطئة: يمكن للشركات تقديم معلومات مضللة أو غير دقيقة للهيئات البيئية، مما يؤدي إلى تقييمات خاطئة لأدائها في مجال الاستدامة.
  • تلاعب بالبيانات: قد تقوم بعض الشركات بتعديل البيانات المتعلقة بانبعاثات الغازات أو غيرها من التأثيرات البيئية لتجنب العقوبات أو فقدان المستثمرين.
  • غياب قوانين صارمة: عدم وجود قوانين صارمة وإجراءات تدقيق قوية تجبر الشركات على الإفصاح عن معلوماتها الحقيقية يعيق عملية قياس الاستدامة الدقيق.

 

أهمية المحاسبة المستدامة:

تلعب المحاسبة المستدامة دورًا حاسمًا في التغلب على هذه التحديات. من خلال جمع وتحليل واستخدام المعلومات البيئية والاجتماعية بطريقة شفافة وموثوقة، يمكن للمحاسبة المستدامة أن تساعد في:

  • تقييم الأداء الحقيقي للشركات: توفير بيانات دقيقة وموثوقة حول أداء الشركات في مجال الاستدامة، مما يساعد المستثمرين والهيئات الرقابية على اتخاذ قرارات مستنيرة.
  • تحسين الشفافية والمساءلة: تعزيز الشفافية والمساءلة في أداء الشركات فيما يتعلق بالاستدامة، مما يدفعها إلى تبني ممارسات أكثر استدامة.
  • دعم اتخاذ القرارات المستدامة: توفير معلومات موثوقة لصناع القرار في الشركات والحكومات والمجتمع المدني، مما يساعدهم على اتخاذ قرارات مستدامة تراعي الأبعاد البيئية والاجتماعية.

 

المبادرة العالمية للتقارير (GRI): معيار عالمي لقياس الاستدامة

تعتبر المبادرة العالمية للتقارير (GRI) منظمة دولية مستقلة رائدة في مجال وضع معايير الإبلاغ عن الاستدامة. تساعد GRI الشركات والحكومات والمنظمات المختلفة على فهم وتقييم أثرها على القضايا البيئية والاجتماعية والاقتصادية، مثل تغير المناخ وحقوق الإنسان والحوكمة.

 

أهمية GRI في قياس الاستدامة:

تتميز معايير GRI بأنها شاملة ومتكاملة، حيث تأخذ في الاعتبار جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك المساهمين والموظفين والمجتمعات المحلية. وتتطلب هذه المعايير من الشركات الإفصاح عن معلومات تفصيلية حول أدائها في مجال الاستدامة، مما يوفر للمستثمرين والجمهور صورة واضحة عن مدى التزامها بالمسؤولية الاجتماعية والبيئية.

 

حلول بديلة وتحدياتها:

على الرغم من وجود حلول بديلة لقياس الاستدامة، مثل معايير مجلس معايير المحاسبة الدولية (IASB)، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات في تحقيق الاستدامة الشاملة. فتركيزها غالبًا ما يكون على الأثر المالي قصير الأجل، وتجاهل الأبعاد الاجتماعية والبيئية طويلة الأجل.

 

أهمية المحاسبة المستدامة ومعايير ESG:

تزداد أهمية المحاسبة المستدامة ومعايير ESG مع تزايد استهلاك الموارد الطبيعية والتحديات البيئية والاجتماعية التي تواجه العالم. تساهم هذه الأدوات في:

  • زيادة الشفافية والمساءلة: من خلال إلزام الشركات بالإفصاح عن معلومات الاستدامة الخاصة بها، تعزز المحاسبة المستدامة ومعايير ESG الشفافية والمساءلة في أداء الشركات.
  • تحسين الأداء البيئي والاجتماعي: تشجع هذه الأدوات الشركات على تبني ممارسات مستدامة وتحسين أدائها في المجالات البيئية والاجتماعية، مما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة.
  • دعم اتخاذ القرارات المستدامة: توفر المحاسبة المستدامة ومعايير ESG معلومات قيمة تساعد المستثمرين وصناع القرار على اتخاذ قرارات استثمارية مستدامة تراعي الأبعاد البيئية والاجتماعية.

 

المبادرة العالمية للتقارير (GRI): خطوة نحو مستقبل مستدام

تعتبر GRI مبادرة رائدة في مجال قياس الاستدامة، وتلعب دورًا حاسمًا في دفع الشركات نحو تبني ممارسات مستدامة والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ومع استمرار تطور هذه المبادرة، نتوقع أن نرى المزيد من الشركات تتبنى معايير GRI وتساهم في بناء مستقبل أكثر استدامة للجميع.

 

الخاتمة

في الختام، يمثل تحقيق الاستدامة تحديًا عالميًا ملحًا، يتطلب تعاونًا وثيقًا بين الحكومات والشركات والمجتمع المدني. وتلعب المحاسبة المستدامة ومعايير ESG دورًا حاسمًا في هذا المسعى، من خلال توفير الأدوات والمعلومات اللازمة لقياس وتقييم الأداء البيئي والاجتماعي للشركات، وتحفيزها على تبني ممارسات مستدامة.

على الرغم من التحديات التي تواجه قياس الاستدامة، إلا أن المبادرات العالمية مثل GRI تمثل خطوة مهمة نحو مستقبل أكثر استدامة. ومن خلال تبني معايير GRI وتطبيق مبادئ المحاسبة المستدامة، يمكن للشركات أن تساهم في تحقيق التنمية المستدامة وحماية كوكبنا للأجيال القادمة.

إن الاستدامة ليست مجرد خيار، بل هي ضرورة حتمية لمواجهة التحديات البيئية والاجتماعية المتزايدة. ومن خلال العمل الجماعي والالتزام بالمسؤولية الاجتماعية، يمكننا بناء مستقبل مزدهر ومستدام للجميع.